فى ذكرى مذابح العثمانيين ضد الأرمن.. أوروبا تتحدى أردوغان باعترافات متتالية حول الإبادة الجماعية فى ذكرى مذابح العثمانيين ضد الأرمن.. أوروبا تتحدى أردوغان باعترافات متتالية حول الإبادة الجماعية
فى ذكرى مذابح العثمانيين ضد الأرمن.. أوروبا تتحدى أردوغان باعترافات متتالية حول الإبادة الجماعية
تحتفل دولة أرمينيا، اليوم الجمعة، بذكرى مرور 100 عام على المذابح، التى نصبتها السلطات العثمانية فى الدولة التركية، للأرمن، خلال الحرب العالمية الأولى فى عام 1915، والتى راح ضحيتها نحو مليون ونصف من الأطفال والنساء والعجائز، فضلا عن الرجال، بحسب المؤرخين.
ووسط إصرار تركى على مواصلة إنكار المذابح والإدعاء بأن عدد الضحايا تم تضخيمه وبأنه يتراوح بين 300 و500 ألف قتلوا فى حرب أهلية، بدا العالم متحديًا لرجب طيب أردوغان وحكومته، فى الذكرى المئوية للجريمة.
أوروبا تتحدى أردوغان
فربما بدأ احتفال الأرمن بمئوية أرواح الأبرياء بإقرار البرلمان الأوروبى بأغلبية كبيرة، على مشروع قانون جديد يعترف بموجبه مرة أخرى بتعرض الأرمن لإبادة جماعية على أيدى السلطات العثمانية، مطالبا النواب من نظرائهم فى برلمانات الدول الأوروبية، التى لم تعترف رسميا بعد بالإبادة الجماعية الأرمنية الحذو حذوها والإقرار بالحقيقة التاريخية.
وفى إطار ذلك أعلنت النمسا رسميا، اعترافها بالإبادة الجماعية للأرمن على أيدى الأتراك العثمانيين، حيث وصف البرلمان النمساوى الأحداث التى وقعت قبل 100 عام بحق الأرمن فى تركيا بأنها "تطهير عِرقى وإبادة جماعية".
وجاء فى بيان للبرلمان النمساوى أنه "وبسبب المسئولية التاريخية- لقد كانت الإمبراطورية النمساوية حليفا للدولة العثمانية أثناء الحرب العالمية الأولى- فإنه من واجبنا أن نعتبر الأحداث الفظيعة إبادة جماعية، وأن ندينها"، حيث رأت أنه من واجب تركيا أن تواجه فصلا مظلما ومؤلما من ماضيها وتستوعبه، وأن تعترف بالجرائم التى ارتُكِبت بحق الأرمن كإبادة جماعية.
الخطوة التى اتخذتها النمسا، سبقتها فيها عدة دول أوروبية وعلى رأسها فرنسا، التى اعترفت بالمذبحة عامى 1998 و2000 من خلال الجمعية الوطنية الفرنسية ثم مجلس الشيوخ الوطنى، وتم ترجمة ذلك فى قانون رسمى عام 2001، ويقدر المؤرخون عدد الأرمن الذين قتلوا على يد الأتراك العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى بـ1.5 مليون شخص، لذا يصف العلماء الجريمة بأنها أول إبادة جماعية فى القرن الـ20.
وبينما شجع قرار البرلمان الأوروبى، أعضاءه على اتخاذ الخطوة، فإن البرلمان الألمانى أعلن اعتزامه الإعتراف بمذابح بحق الأمر كجرائم إبادة جماعية، هذا الأسبوع، بعد أن كانت برلين تلتزم بعدم التحدث صراحة عن القضية كإبادة جماعية فى سبيل الحفاظ على علاقتها بتركيا.
وخلال نقاش، فى البرلمان الأوروبى، قال النائب الالمانى المحافظ إليمار بروك: "لقد ارتكب شعبى قبلا جرائم إبادة جماعية وكان من الواجب الأخلاقى الاعتراف بها وإحياء ذكرى ضحاياها، وبالمثل قُتل مئات آلالاف الأرمن على يد أتباع الأمبراطورية العثمانية".
هذه التحركات من جانب بلدان كبرى فى أوروبا جاءت لتزيد التوتر بين أنقرة والاتحاد الأوروبى، خاصة مع إثارة الدنمارك غيظ حكومة رجب طيب أردوغان بسبب تدشين نصب تذكارى لإحياء ذكرى المذبحة فى واحد من أكبر ميادين كوبنهاجن، مما دفع السفارة التركية للإعراب عن احتجاجها على النصب، الذى يصل ارتفاعه لتسعة أمتار.
ورغم أنها لم تعترف بها رسميا كجريمة إبادة جماعية، رد وزير الخارجية الدنماركى، مشيرا إلى أن حكومة بلاده لم تصمت قط على تلك الأحداث المأسوية، التى وقعت عام 1915، وسارع كارل إبسين، نائب عمدة كوبنهاجن، مطالبا أنقرة بعدم التدخل فى قرارات بلاده الداخلية وأن تظل بعيدة عما يحدث لديهم".
القضية عائقا أمام انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبى
التحركات الأوروبية من شأنها أن تؤجج التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبى مما سيؤثر بشكل أو آخر على المحادثات المتوقفة بشأن انضمام جمهورية أردوغان للاتحاد، لتظل القضية واحدة من القضايا الأكثر حساسية فى ملف قبول تركيا، ويزيد هذا الكاهل على أنقرة جنبا إلى جنب مع قضية الأكراد، الذين يسعون للانفصال لتأسيس دولتهم الخاصة.
أول اعتراف فى مايو 1915
وتعود أول مرة ذُكر فيها كلمة مذابح الأرمن ووصف الأمر بالجريمة إلى 29 مايو عام 1915، أى بعد وقوع جرائم العثمانيين بشهر، فبحسب وثيقة تاريخية صادرة عن الخارجية الفرنسية بالاشتراك بين "فرنسا ومملكة بريطانيا العظمى وروسيا"، فإن البلدان الثلاث كانوا أول من تحدثوا عن المجازر التى وقعت فى القرى الأرمنية، حيث تم قتل سكانها بوحشية وتهجير بعضهم ممن لقوا حتفهم جوعا فى الصحراء أثناء الفرار إلى سوريا.
وتقول الوثيقة أنه فى ضوء هذه الجرائم الجديدة من جانب تركيا ضد الإنسانية والحضارة، فإن حكومات الحلفاء تعلن للباب العالى العثمانى، إنهم يحملون المسئولية الشخصية عن هذه الجرائم لجميع أعضاء الحكومة العثمانية وعملائها المتورطين فى المذابح.
ويتزايد عدد دول العالم التى تعترف بالمذابح كجريمة إبادة جماعية، حيث يبلغ عددهم أكثر من 20 بلدا، لكن تبقى لبنان باعتبارها الدولة العربية الوحيدة التى تعترف بذلك، بينما اقرت كبرى المنظمات الدولية بالمذبحة وعلى رأسها الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى، الذى اعترف بها رسميا لأول مرة عام 1987 ثم كرر ذلك هذا الشهر.
داعش يعرقل اعتراف واشنطن بالإبادة
ويواجه الرئيس الأمريكى باراك أوباما ضغوطا للاعتراف رسميا بالمذابح كجريمة إبادة جماعية فى الذكرى الـ100 يوم 24 أبريل الجارى، فعلى الرغم من اعتراف 43 ولاية أمريكية بالإبادة، فإن الرئيس الأمريكى باراك يتجنب ذكر كلمة "Genocide". ويرعى عدد من أعضاء الكونجرس، بقيادة النائب الديمقراطى آدم شيف، مشروع قرار جديد للاعتراف رسميا بالإبادة الجماعة للأرمن على يد الأتراك العثمانيين.
ومع ذلك يعتقد محللون أن قرار أوباما بشأن الاعتراف بالإبادة هذا العام سيكون معقدا بالنظر إلى جهود إدارته لتأمين مزيد من التعاون من تركيا فى الحرب ضد تنظيم داعش فى سوريا والعراق.
لهذه الأسباب يخشى الأتراك الاعتراف بالجريمة
ومع ذلك فربما هناك أسباب أكثر دفع تركيا للإصرار من موقفها على إنكار جريمة أجدادها. فبحسب آراء بعض المحللين الأرمن فإن تركيا تخشى من وصمة العار، ويضع البروفسور فاهاكن دادريان، المؤرخ والخبير العالمى فى الإبادة الجماعية للأرمن، عدة أسباب ربما تقف وراء تصلب الموقف التركى.
ويقول الخبير، وهو أحد أوائل علماء التاريخ الذين درسوا حقيقة إبادة الأرمن وأحد المفكرين الكبار الذين يصفونها بالمحرقة أو الإبادة الجماعية، أن الأتراك لا يرفضون أن يتم وصفهم بالنازيين. فإنهم يزعمون أن الإمبراطورية العثمانية انتهت بقدوم الجمهورية التركية ويسعون لنفى أى أواصل بالعثمانيين. كما أنهم سيبدون حمقى إذا فجأة أنكروا الجريمة بعد عقود من الإنكار، فعندما تصر على الكذب يصعب جدا الاعتراف بالذنب.
ويضيف دادريان، ال بمعهد زوريان الأمريكى، أن الخوف من العواقب ربما يمنع تركيا من الإعتراف بالإبادة. ويوضح أن الاعتراف يعنى التعويض، لذا هناك من رد الحق والمطالب الإقليمية. فمثلما كلف إعتراف ألمانيا بالمحرقة اليهودية على يد النازيين الكثير من التعويض المادى والمعنوى للضحايا اليهود، فبالتأكيد سيكون على تركيا فعل الشء نفسه.
وطالما عمل الأتراك على تصوير الأرمن كعملاء لروسيا، وبالإضافة إلى تجاهل المحرقة فإن الكتب الدراسية فى مدارس تركيا تزيف حقائق كثيرة حول الأرمن، ومن ثم فإن اعتراف الدولية التركية يقتضى إعادة كتابة الكتب المدرسية وكتب التاريخ على المستوى الوطنى.
ووفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، نقلت فيه تصريحات مواطنين أتراك مسلمين، تحدثت أحدهم عن أمور مفزعة ارتكبها الأرمن بحق المسلمين وتقول أنها تربت على قصص بأن الأرمن كانوا يقتلون النساء المسلمات الحوامل من خلال وضعهم أحواض من الماء المغلى. وقالت فتاة إنها لم تسمع قط فى المدرسة عن الأرمن. وأضافت بالقول "لم يعلمونا من التاريخ القديم سوى عن معركة جاليبولى وحرب العثمانيين فى ليبيا".
وفى مقهى بمدينة إسطنبول، أثار أحد الزبائن قضية أخرى، معربا عن مخاوف من أن يؤدى الاعتراف بالإبادة إلى مطالبة الأرمن بتعويض عن أراضيهم التى استولى عليها العثمانيون شرق البلاد، حتى أن الرجل قال لزملائه فى المقهى ألا يخبروا أى صحفى أجنبى أن هذه كانت منطقة لغير المسلمين، محذرا: "سيعود الأرمن ويخذوا أراضينا".