"عنان" في مذكراته.. هذه هي حقيقة العلاقة بين الجيش والإخوان.
"عنان" في مذكراته.. هذه هي حقيقة العلاقة بين الجيش والإخوان.
الفريق سامي عنان
"عنان" في مذكراته..هذه هي حقيقة العلاقة بين الجيش والإخوان..رئيس الأركان السابق: الجماعة صاحبة شعار "يسقط حكم العسكر"..العداء بين الطرفين استمر 14 شهراً.. ويهاجم القوى المدنية وشباب الثورة.في مذكراته المنشورة مؤخراً، يتحدث الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق، عن حقيقة العلاقة بين المجلس العسكري السابق برئاسة المشير حسين طنطاوي، وجماعة الإخوان خلال المرحلة الانتقالية التي أعقبها صعود جماعة الإخوان للحكم، ويرد عنان على الاتهامات التي وجهت للمجلس العسكري السابق بشأن تسليمه البلاد للإخوان.
يقول عنان: السؤال / الاتهام الذى توجهه بعض القوى السياسية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذى تولى مسئولية إدارة البلاد بعد تنحى الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، يمكن صياغته على النحو التالى: هل قام الجيش بتسليم السلطة لجماعة الإخوان المسلمين؟ وهل كان هذا «التواطؤ» نتيجة لصفقة بين قيادات الجيش والجماعة، بحيث يضمن كبار الجنرالات ما يسمى بـ«الخروج الآمن»؟
المثير للدهشة بحق أن هذا الاتهام لم يظهر على السطح إلا بعد وصول الإخوان إلى السيطرة شبه الكاملة على مفاصل الدولة، تشريعياً ورئاسياً، وأن كل المؤشرات السابقة لهذا الاتهام، عبر أربعة عشر شهراً منذ سقوط مبارك إلى صعود مرسى، تنبئ عن حالة من التوتر والعداء بين الجيش والإخوان، تتمثل بشكل واضح فى الشعار الذى رددته الجماعة، واندفع الكثيرون لتكراره بغير وعى: يسقط يسقط حكم العسكر.
تهافت الاتهام لا يعنى إهماله والتعالى على فكرة الإجابة والتوضيح، فالجميع يعـــــرفون أن الجيـــش المصرى لا شأن له بالعمـــــل السياسى والانتمــاء الأيديولوجى والالتحــــاق بالكليات الــــعسكرية تسبقه تحريات دقيقة مكثفـــــة لاستبعاد أصحاب الأهـــواء السيـــاسية، فالبطولة للعقيدة القتالية والانتمــــاء الوطنى الخالص.
قبل سنوات من ثورة 23 يوليو 1952، كان عدد لا يستهان به من ضباط الجيش المصرى ينشغلون بالسياسة، نظرياً وعملياً، فمنهم المتعاطفون مع الوفد، أو المقتربون من اليسار الماركسى، فضلاً عن المحسوبين على جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها المرشد الأول حسن البنا، ولم يكن غريباً أن ينتقل بعض الضباط بين هذه الاتجاهات جميعاً، فيبدأ وفدياً ثم ينتقل إلى الإخوان ومنها إلى التنظيمات اليسارية، هذه التحولات الفكرية والسياسية نجدها عند جمال عبدالناصر وخالد محيى الدين وعبدالحكيم عامر وعبدالمنعم عبدالرؤوف، وغيرهم ممن انضموا فى نهاية المطاف إلى تنظيم الضباط الأحرار، وأطاحوا بالنظام الملكى، محتفظين فى أعماقهم بكل أو بعض الولاء للانتماءات القديمة.
بعد نجاح الثورة واستقرار نظامها، كان الحرص على الاستفادة من التجربة، ومنع الضباط من العمل السياسى، فلا مهمة لهم تفوق العمل العسكرى الذى يتولى مهمة مقدسة وهى الدفاع عن الوطن والشعب.
ما أريد التأكيد عليه هو أن الجيش المصرى بكل مستوياته من القيادة العليا إلى أحدث ضابط ملتحق بالخدمة، لا يعملون بالسياسة، ولا صلة تنظيمية أو فكرية تربطهم بجماعة الإخوان، فلا منطق إذن فى القول بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو من هيأ المناخ للإخوان وأعانهم فى الوصول إلى السلطة.
وإذا انتقلنا إلى واقع ما بعد تنحى مبارك، نجد أن المجلس الأعلى قد تولى إدارة شئون البلاد منذ مساء 11 فبراير 2011، وجاءت هذه الإدارة بشكل مفاجئ غير متوقع، وبلا سوابق أو نصوص دستورية تمنح المؤسسة العسكرية هذ الحق.
اتصل مبارك بالمشير طنطاوى وقال إنه سيكلف المجلس الأعلى بهذه المهمة، ورفض المشير هذا العرض بلا تردد، ظناً منه أن مبارك سيبقى على رأس النظام، لكن الموقف تغير بعد قرار مبارك بالتنحى الكامل".
كان هدفنا الوحيد هو الخروج بمصر من أزمتها والعودة إلى الاستقرار والأمن، والعمل على تنفيذ خارطة الإصلاح على أكمل وجه، والبيان الثانى الذى أصدرناه يؤكد هذا المعنى، وكنت شخصياً من أشرف على إذاعة خطاب اللواء عمر سليمان بشأن تنحى مبارك، فقد سلمته لمدير إدارة الشئون المعنوية، وشددت عليه ألا يذاع إلا بتعليمات منى، وكان الأمر عندى يتعلق بضرورة التأكد من مغادرة الرئيس وأسرته إلى شرم الشيخ.
المسئولية التاريخية التى وقعت على عاتقنا كانت تتطلب إجراءات سريعة منظمة، وإذا كان الرئيس عبدالناصر قد استعان بالسنهورى باشا الفقيه الدستورى العالمى لتقنين الأوضاع القانونية والدستورية بعد ثورة 23 يوليو، فقد بادرنا بتشكيل لجنة عليا لدراسة الوضع واتخاذ الإجراءات اللازمة، وكان التشكيل يضم السيد المستشار ممدوح مرعى وزير العدل، والسيد المستشار فاروق سلطان رئيس المحكمة الدستورية العليا، واللواء ممدوح شاهين كممثل قانونى عن القوات المسلحة، هل من قامة قانونية تفوق وزير العدل ورئيس المحكمة الدستورية العليا؟! لم نفكر فى الإخوان أو غيرهم، وقررنا أن نلتزم بما يوصى به القانونيون من أهل العلم والتخصص، وهنا يتكرر الاتهام من جديد: لماذا لم نقم بإعداد الدستور أولاً قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية؟!
الانتخابات أولاً أم الدستور أولاً.. قضية يتحدث عنها الكثيرون، والخلل الرئيسى هنا هو إدخال الجيش كطرف فى المعادلة، وإغفال حقيقة أن المشير محمد حسين طنطاوى كان مستعداً لتنفيذ ما تشير به اللجنة القانونية، مع محدد واحد أصر عليه، وهو ألا تزيد الفترة الانتقالية على ثلاثة أشهر، وكان الهدف من تحديد هذه الفترة القصيرة هو الحفاظ على الجيش وتجنب عمله السياسى من ناحية وعودة الحياة إلى إيقاعها التقليدى بما يحقق الاستقرار ودفع عجلة العمل والتنمية من ناحية أخرى.
مخاوف المشير والمجلس الأعلى لا تنبع من فراغ، فللجيش مهامه الوطنية التى تفرض عليه الابتعاد عن العمل السياسى، وأهل العلم والتخصص من القانونيين كان لهم رأيهم المختلف، وخلاصة هذا الرأى أن فترة الشهور الثلاثة لا تكفى لإعداد الدستور والتوافق حوله والاستفتاء عليه، ولا يمكن أن تتسع -فى الوقت نفسه- لإجراء الانتخابات النيابية والرئاسية، إنجاز هذا الملف يحتاج إلى ما يتراوح بين عام ونصف إلى عامين، ولذلك كانت التوصية بانتخابات المؤسسات التشريعية، مجلسى الشعب والشورى، خلال ستة أشهر، ثم الدعوة إلى انتخابات رئاسية، ويتولى هؤلاء المنتخبون شعبياً مهمة إعداد الدستور.
لو أننا فعلنا العكس وأعددنا الدستور أولاً، لقيل إن العسكريين يضعون الدستور وفقاً لمصالحهم، وهو الشعار الذى ظهر بالفعل وردده الكثيرون: لا دستور فى ظل المجلس العسكرى.
النجاح الذى حققه الإخوان، بعد 11 فبراير لا علاقة له بالمجلس العسكرى، فقد كنا نقف على مسافة واحدة من الجميع، فى الإعلان الدستورى الصادر يوم 13 فبراير 2011 أعلن المجلس العسكرى التزامه الواضح الصريح بعدم الاستمرار فى الحكم، وتعهد بتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة فى غضون ستة أشهر، أو حتى يتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ونص الإعلان نفسه على تعطيل مجلسى الشعب والشورى المنتخبين فى عام 2010 وتعليق العمل بدستور 1971.
تشكلت لجنة لتعديل بعض مواد دستور 1971، وجرى استفتاء حر نزيه فى 19 مارس 2011، وافق عليه الشعب بنسبة 77٪.
لمن ينسى أو يتعمد النسيان أطرح مجموعة من الأسئلة معروفة الإجابات:
1- هل يمكن التشكيك فى نزاهة الاستفتاء الذى أمنته القوات المسلحة وضمنت حرية التصويت بلا عوائق؟
2- هل كانت انتخابات مجلسى الشعب والشورى، التى حقق فيها الإخوان المسلمون والسلفيون نجاحاً لافتاً، مشوبة بالتزوير أو التلاعب؟ ألم يكن الشعب هو من اختار ممثليه، دون نظر إلى طبيعة هذا الاختيار؟
3- ألم تكن الأحزاب غير الإسلامية هى التى سعت إلى التحالف مع الإخوان المسلمين وانهالت بالمديح على الجماعة وسلميتها ووسطيتها وإيمانها بالديمقراطية؟
4- ألم ينجح عدد غير قليل من ممثلى الأحزاب المدنية على قائمة التحالف الذى يتزعمه حزب الحرية والعدالة، وهؤلاء هم من انقلبوا على الإخوان وحزبهم فيما بعد، واتهموا المجلس العسكرى بالتحالف مع الإخوان؟
5- هل تدخل المجلس العسكرى فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التى شهد العالم كله بنزاهتها وشفافيتها؟ وهل تدخل المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر فى جولة الإعادة بين مرشح الإخوان محمد مرسى والفريق أحمد شفيق؟
الأسئلة السابقة جميعاً معروفة الإجابات، ولا أحد ينسى موقف الإعلام فى دعم الإخوان والمرشح محمد مرسى فى جولة الإعادة، واكتمال الوعى بدروس التجربة لن يتحقق بمعزل عن الإقرار بأن نجاح الإخوان وتفوقهم مردود إلى قوتهم النسبية من ناحية، وضعف وتهافت الأحزاب المنافسة من ناحية أخرى.
كان المجلس العسكرى حريصاً على التوازن السياسى وخلق كيانات جديدة تثرى الحياة السياسية بعد ثورة 25 يناير، وقد اجتمعت مع مئات من شباب الحركات الثورية، وطالبتهم بتكوين كيانات قوية قادرة على المنافسة، وتعهدت لهم بتقديم كل دعم ممكن لكنهم -للأسف الشديد- لم يتفقوا على الحد الأدنى من المبادئ والأسس، وتحولوا إلى مجموعة من الجزر الصغيرة المتناثرة التى لا تملك تأثيراً أو نفوذاً فى الشارع المصرى.
الأحزاب بلا قواعد جماهيرية، ولا نفوذ لها أو تأثيراً فى الشارع، وأغلب هذه الأحزاب تبدأ نخبوية والزعماء فيها أكثر من الأعضاء، القيادات تنحصر بين مسئولين متقاعدين ورجال أعمال يبحثون عن المصالح أو الشهرة، وتنعكس هذه النشأة بالضرورة على البرامج والمصداقية فى الشارع الذى لا يلمس لهم وجوداً فعالاً، فينصرف عنهم ويتجه إلى الإخوان والسلفيين، ليس لأنهم الأكثر تعبيراً عن حاجاته، بل لأنهم يقتربون منه فى ممارسات الحياة اليومية.